من شاحنة صغيرة إلى أسطول
⏳ البداية: “شاحنة واحدة، وحلم عنيد”
كان سفيان زيزي في الخامسة والعشرين من عمره، يعمل مساعد سائق في شركة صغيرة لنقل البضائع. كان يعرف كل ما يمكن معرفته عن المحركات، لكنه لم يكن يملك شيئًا سوى رغبة جامحة في أن يصبح سائق شاحنة مستقل.
كانت تلك الرغبة تلاحقه حتى في نومه… في أحلامه، كان يقود شاحنته الخاصة، يقرر مساراته، يتحكم بوقته، ويوقع العقود باسمه. لكن الواقع؟ كان مختلفًا تمامًا.
في أحد الأيام، قال له السائق الذي يعمل معه :
ـ "سفيان ، عقلك كبير بزاف على الطريق… راك خصك مكتب، ماشي شاحنة!"
ضحك سفيان، لكنه قال بهدوء :
ـ "أنا نبدأ من الطريق… والمكتب يجي من بعد."
🚚 الشاحنة القديمة: بداية الرحلة الحقيقية
ادّخر كل درهم استطاع جمعه، وباع دراجته النارية الوحيدة، واقترض من خاله المتقاعد مبلغًا صغيرًا، واشترى شاحنة صغيرة متهالكة من نوع “ميتسوبيشي”. لم يكن فيها مكيف، وكانت تتعطل كل أسبوع تقريبًا، لكن حسن كان يرى فيها المستقبل.
في أول حمولة له، حمل أكياس بطاطس من ضيعة صغيرة إلى سوق الجملة في المدينة. في منتصف الطريق، تعطلت الفرامل. كاد يفقد السيطرة، لكنه استخدم ذكاءه واحتكّ بجانب الرصيف ليوقف الشاحنة بأمان.
جلس على حافة الطريق يضحك، يضحك بحرقة، كأن كل العالم يتآمر عليه… ثم نهض وقال:
ـ "إيوا ما دام الفرامل خاناتني، أنا نصنع الطريق بلاهم."
🛣️ سنوات من الشقاء: الطريق لا يرحم
كان يعمل أكثر من 14 ساعة يوميًا. لا عطل، لا إجازات، لا تأمين.
كان ينقل كل شيء: خضر، إسمنت، أثاث، حتى أكوام الخشب في البرد القارس.
توقف عدة مرات في منتصف الليل لإصلاح عطل في المحرك.
واجه السماسرة، وتعرض للنصب، وكاد يُفلس أكثر من مرة.
ومع ذلك… كان يعود في كل مرة.
كتب على باب شاحنته عبارة بخط يده:
"من هنا نبدأ… وإلى السماء نمضي."
🌟 نقطة التحوّل: الشاحنة الثانية
بعد خمس سنوات من الشقاء، استطاع أن يجمع ثمن شاحنة ثانية مستعملة. كان ذلك أول يوم يشعر فيه أن الحلم بدأ يأخذ شكلاً.
بدأ يوظّف سائقين جدد. اختار شبابًا متحمسين يشبهونه حين بدأ.
كان يصرّ على أن يتعرف عليهم شخصيًا، يروي لهم قصته، ويقول دائمًا:
ـ "أنا ماشي رب عمل، أنا واحد منكم… غير دايز شوية القدّام."
🤝 التوسّع: أسطول يحمل اسم "سفيان"
بعد عشر سنوات، أصبح لديه 14 شاحنة.
ثم 20...
ثم افتتح مقرًا صغيرًا، علق على بابه أول صورة له مع شاحنته القديمة، وتحتها كتب:
"هذا هو الأصل… لا تنساه مهما ارتفعت."
أسّس مدرسة تدريب صغيرة للسائقين الجدد، مجانًا، لتعليمهم أخلاقيات الطريق، لا فقط القيادة.
💭 لحظات التأمل
ذات يوم، جلس في مؤخرة إحدى شاحناته، ينظر إلى غروب الشمس في نهاية الطريق الوطني رقم 9، وقال:
ـ "الطريق ما كانتش ساهلة… لكن علمتني كلشي. الصبر، الذكاء، وحتى الحب… حب التحدي."